إبداع
صالح سعيد بحرق
قصة قصيرة
أعتاد السيد محسن أن يقرأ صحيفة الصباح وهو على السلالم، ويتصفح مجمل الصفحة الرئيسة، قبل أن يتلقى التحية من جارته زينب.
هذا كان ديدنه كل يوم، ويطلع كذلك على صفحة الإعلانات، حتى وقعت عينه ذات يوم على إعلان طلب حارس ليلي بأجر كبير، فحفظ العنوان وانطلق.
وعندما مرت جارته زينب لم تجده على السلالم، فطرقت الباب فلم يرد عليها أحد.
كان محسن رجلًا قد شارف على الخمسين، في عينيه حَوَلٌ ظاهر، وجبهته كانت ناتئة، ويمشي بطريقة تثير السخرية، ويظنه الظان إنه سيقع على الأرض.
من كثرة تعثراته وتقلباته في الطريق، كانت جارته زينب تشفق عليه وتدعو الله ان يشفيه.
ها هو الآن قد قطع الشارع الكبير بصعوبة قبل أن يصل إلى موقع الإعلان، قرأ اللائحة بتمعن: محلات بيع الأخشاب لصاحبه أبو مازن.
ودخل المحل بانكسار، وقابله المحاسب بفتور، قائلًا:
– أهلًا.. اجلس
– شكرًا
– ما قضيتُك
– قرأتُ الإعلان
– حارس ليلي
– نعم
– أ لدَيكَ القدرة على السهر
– نعم
– ألا تخافُ من اللُّصوص
– ليس كما تعتقد
– والأُجرة أنت موافق عليها
– نعم
– إذا احترقت هذه الأخشاب مَنْ هو المسؤول؟
– لا أعلمُ سيِّـدي
– كُلُّكُم يقول ذلك
– نعم، سيّدي
– المهم أن تكون يقظًا، فقد سرق هذا المستودع الذي أمامك ثلاث مرات
– لعله كان بدون حارس
– لا يا ذكي، سُرِق في ظل وجود الحارس
– كيف حدث ذلك؟
– الانشغالُ بالجوَّال
– أنا لستُ منهم سيّدي
– ولهذا قبلناكَ حارسًا عندنا
– أشكركم سيّدي
وذهب محسن إلى منزله ليأتي في المساء، كان طوال الطريق يتعثر في مشيه، تدفع به قوى غريبة إلى اللحاق بأمل منطفئ فيه، وتهاجمه أصوات لبدء فتح بيت جديد، والعثور على امرأة صالحة.
كان يسرع الخطى، وعلى السلالم قابل جارته زينب، فقالت له بلهفة:
– من أين أتيت
– أتيتُ من الشغل
– أيُّ شغلٍ؟
– حارس على مستودع للأخشاب
– الله يوفقك يا سيّد محسن
– إن شاء ألله
ودخل غرفته وهو يفكر في عدد السرقات التي تعرض لها مستودع الأخشاب.
وفكر في طريقة أو خطة يبدأ بها عمله… وبعد تفكير عميق اهتدى إلى طريقة جمع البيانات أولًا عن الحي، وهل يُوجَد فيه لصوصٌ ومجرمون، ونام تلك الليلة على خوف شديد.
ومضى النهار أيضًا وهو يفكر، وفي المساء حمل مصباحًا وذهب لتسلُّم العمل، وكان الليل قد بسط رداءه على الإرجاء، وبدت له المساكن مستودعات يختبئ فيها المجهول، ولمحتْه جارتُه زينب بمحاذاة العمارة، فأسرعتْ إليه قائلة:
– إلى أين يا سيد محسن؟
– إلى العمل.. ألمْ أُخبِرْكِ؟
– نعم.. ومعك العنوان
– نعم هاك العنوان
وأخذت زينب العنوان وانطلقت إلى شقتها في البساتين، وبعد جهد وصل محسن إلى مستودع الاخشاب والشكوك والظنون تحيط به، وهو لا يدري كيف يتعامل مع اللصوص؟! وليس معه إلا هذه العصا.
وجلس على كرسي الحراسة خائفًا يترقَّب، وينظر إلى أبسط حركة تصدر من الحوش، وإذا به يرى شبحًا يقدم نحوه، وأخذ يتفحصه وهو يقترب منه، حتى تبيَّنتْ له ملامحه.. إنها امرأة تتهادى وسط الطريق، حتى وقفت بالقرب منه فكاد يغمى عليه من شدة الفرح، فقد كانت تلك المرأة جارته زينب، فجلستْ بجانبه على الكرسي، والظلام يلفهما، والتصق محسن بها من شدة البرد، وأسند رأسه إلى صدرها، وغفا. والليل لا ينتهي.